فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} بالياء وهي قراءة حمزة على عاصم، وقرأ الباقون بالنون على الالتفات و: {يَوْمٍ} عند الأكثرين منصوب بمضمر أي اذكر لهم أو أنذرهم يوم نجمعهم لموقف الحساب: {كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ} أي كأنهم أناس لم يلبسوا: {إِلاَّ سَاعَةً مّنَ النهار} أي شيئًا قليلًا منه فانها مثل في غاية القلة وتخصيصها بالنهار لأن ساعاته أعرف حالًا من ساعات الليل والجملة في موقع الحال من مفعول: {نَحْشُرُهُمْ} أي نحشرهم مشبهين بمن لم يلبث في الدنيا أو في البرزخ إلا ذلك القدر اليسير، وليس المراد من التشبيه ظاهره على ما قيل، وقد صرح في شرح المفتاح أن التشبيه كثيرًا ما يذكر ويراد به معان أخر تترتب عليه، فالمراد إما التأسف على عدم انتفاعهم بأعمارهم أو تمني أن يطول مكثهم قبل ذلك حتى لا يشاهدوا ما شاهدوه من الأهوال فمآل الجملة في الآخرة نحشرهم متأسفين أو متمنين طول مكثهم قبل ذلك.
ويجوز أن يراد نحشرهم مشبهين في أحوالهم الظاهرة للناس بمن لم يلبث في الدنيا ولم يتقلب في نعيمها إلا يسيرًا فإن من أقام بها دهرًا وتمتع بمتاعها لا يخلو عن بعض آثار نعمة وأحكام بجهة منافية لما بهم من رثاثة الهيئة وسوء الحال وإليه ذهب بعضهم، والظاهر أنه تكلف لإبقاء التشبيه على ظاهره والأول أولى كما لا يخفى، وأيًا ما كان ففائدة التشبيه كنار على علم، والعجب ممن لم يرها فقال الظاهر أن: {كَانَ} للظن، وادعى البعض أن فائدة التقييد على تقدير أن يراد اللبث في البرزخ بيان كمال يسر الحشر بالنسبة إلى قدرته تعالى ولو بعد دهو طويل وإظهار بطلان استبعادهم وإنكارهم بقولهم: {أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وعظاما أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ} [المؤمنون: 82] ونحو ذلك أو بيان تمام الموافقة بين النشأتين في الاشكال والصور فإن قلة اللبث في البرزخ من موجبات عدم التبدل والتغير، ولعل مآل الحال على هذا ويوم نحشرهم على صورهم وأشكالهم غير متغيرين، وجوز أبو علي كون الجملة في موضع الصفة ليوم والعائد محذوف تقديره كأن لم يلبثوا قبله أو لمصدر محذوف والعائد كذلك أي حشرًا كأن لم يلبثوا قبله، ورد بأن مثل هذا الرابط لا يجوز حذفه والأول بأن المراد بالظرف المضاف وهو الموصوف يوم القيامة وهو يوم معين وتقدير الكلام يوم حشره أو يوم خشرنا فيكون الموصوف معرفة والجمل نكرات ولا تنعت المعرفة بالنكرة.
وأجيب بأن المنع من جواز حذف مثل ذلك الرابط في حيز المنع وبأن الجمل التي تضاف إليها أسماء الزمان قد يقدر حلها إلى معرفة فيكون ما أضيف إليها معرفة وقد يقدر حلها إلى نكرة فيكون ذلك نكرة، ولعل أبا علي يتكلف لاعتبار حلها إلى نكرة ويكون الموصوف هنا نكرة عنده فيرتفع محذور نعت المعرفة بالنكرة.
وأنت تعلم أن الجواب إنما يدفع البطلان لا غير فالحق ترجيح الحالية، وقوله سبحانه: {يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} أي يعرف بعضهم بعضًا كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلًا يحتمل أن يكون استئنافًا وأن يكون بيانًا للجملة التشبيهية واستدلالًا عليها كما قيل، وذلك أنه لو طال العهد لم يبق التعارف لأن طول العهد منس مفض إلى التناكر لكن التعارف باق فطول العهد منتف وهو معنى: {لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً} وفية دغدغة.
وزعم أبو البقاء كونه حالا مقدرة ولا داعي لاعتبار كونها مقدرة لأن الظاهر عدم تأخر التعارف عن الحشر بزمان طويل ليحتاج إليه، وقد صرحوا بأن التعارف بينهم يكون أول حروجهم من القبور ثم ينقطع لشدة الأهوال المذهلة واعتراء الأحوال المعضلة المغيرة للصور والاشكال المبدلة لها من حال إلى حال، وعندي أن لا قطع بالانقطاع فالمواقف مختلفة والأحوال متفاوتة فقد يتعارفون بعد التناكر في موقف دون موقف وحال دون حال، وفي بعض الآثار ما يؤيد ذلك.
وزعم بعضهم المنافاة بين ما تدل عليه هذه الآية وما يدل عليه قوله سبحانه: {لا أنساب بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءلُونَ} [المؤمنون: 101] وقوله تعالى: {وَلاَ يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا} [المعارج: 10] من عدم التعارف لولا اعتبار الزمانين.
وقيل: لا منافاة بناء على أن الثمبت تعارف تقريع وتوبيخ الومنفى تعارف تواصل وشفقة، ولمانع أن يمنع دلالة ما ذكر من الآيات على نفي التعارف، وقصارى ما يدل عليه نفي نفع الأنساب وسؤال بعضهم بعضًا، والتعارف، الذي تدل عليه هذه الآية لا ينافي ذلك، فقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن أنه قال فيها: يعرف الرجل صاحبه إلى جنبه فلا يستطيع أن يكلمه ثم أن حمل التعارف على معرفة بعضهم بعضًا هو المعروف عند المفسرين، وقيل: المراد به التعريف أي يعرف بعضهم بعضًا ما كانوا عليه من الخطأ والكفر وفيه ما فيه.
وجوز بعضهم أن يكون الظرف السابق متعلقًا بيتعارفون قيل فيعطف على ما سبق ولا يظهر له وجه وقوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الذين كَذَّبُواْ بِلِقَاء الله} جملة مستأنفة سيقت للشهادة منه تعالى على خسرانهم والتعجيب منه وهي خبرية لفظًا إنشائية معنى، وقيل: مقول لقول مقدر وقع حالا من ضمير: {يَتَعَارَفُونَ} أو من ضمير: {يَحْشُرُهُمْ} إن كانت جملة: {يَتَعَارَفُونَ} حالا أيضًا لئلا يفصل بين الحال وذيها أجنبي والاستئناف أظهر، والتعبير عنهم بالموصول مع أن المقام مقام إضمار لذمهم بما في حيز الصلة وللاشعار بعليته لما أصابهم، والظاهر أن المراد بلقاء الله تعالى مطلق الحساب والجزاء وبالخسران الوضيعة أي قد وضعوا في تجارتهم ومعاملتهم واشترائهم الكفر بالإيمان، وجوز أن يراد بالأول سوء اللقاء وبالثاني الهلاك والضلال، أي قد ضلوا وهلكوا بتكذيبهم بذلك: {وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} أي لطرق التجارة عارفين بأحوالها أو ما كانوا مهتدين إلى طريق النجاة، والجملة عطف على جملة: {قَدْ خَسِرَ} إلخ، وجوز أن تكون معطوفة على صلة الموصول على أنها كالتأكيد لها. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ} عطف على: {ويوم نحشرهم جميعًا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم} [يونس: 28] عطف القصة على القصة عَوْدًا إلى غرض من الكلام بعد تفصيله وتفريعه وذم المسوق إليهم وتقريعهم فإنه لما جاء فيما مضى ذكر يوم الحشر إذ هو حين افتضاح ضلال المشركين ببراءة شركائهم منهم أتبع ذلك بالتقريع على عبادتهم الأصنام مع وضوح براهين الوحدانية لله تعالى.
وإذ كان القرآن قد أبلغهم ما كان يعصمهم من ذلك الموقف الذليل لو اهتدوا به أتبع ذلك بالتنويه بالقرآن وإثبات أنه خارج عن طوق البشر وتسفيه الذين كذبوه وتفننوا في الإعراض عنه واستُوفي الغرض حقَّه عاد الكلام إلى ذكر يوم الحشر مرة أخرى إذ هو حين خيبة أولئك الذين كذبوا بالبعث وهم الذين أشركوا وظهر افتضاح شركهم في يوم الحشر فكان مثلَ رد العجز على الصدر.
وانتصب: {يوم} على الظرفية لفعل: {خسر}.
والتقدير: وقد خسر الذين كذبوا بلقاء الله يوم نحشرهم، فارتباط الكلام هكذا: وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون وقد خسر الذين كذبوا بلقاء الله يوم نحشرهم.
وتقديم الظرف على عامله للاهتمام لأن المقصود الأهم تذكيرهم بذلك اليوم وإثبات وقوعه مع تحذيرهم ووعيدهم بما يحصل لهم فيه.
ولذلك عدل عن الإضمار إلى الموصولية في قوله: {قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله} دون قد خسروا، للإيماء إلى أن سبب خسرانهم هو تكذيبهم بلقاء الله وذلك التكذيب من آثار الشرك فارتبط بالجملة الأولى، وهي جملة: {ويوم نحشرهم جميعًا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم} إلى قوله: {وضل عنهم ما كانوا يفترون} [يونس: 28 30].
وقرأ الجمهور: {نحشرهم} بنون العظمة، وقرأه حفص عن عاصم بياء الغيبة، فالضمير يعود إلى اسم الجلالة في قوله قبله: {إن الله لا يظلم الناس شيئًا} [يونس: 44] وجملة: {كأنْ لم يلبثوا إلا ساعة من النهار} إما معترضة بين جملة: {نحشرهم} وجملة: {يتعارفون بينهم}، وإما حال من الضمير المنصوب في: {نحشرهم}.
و: {كأن} مخففةُ (كأنَّ) المشددةِ النون التي هي إحدَى أخوات (إنَّ)، وهي حرف تشبيه، وإذا خففت يكون اسمها محذوفًا غالبًا، والتقدير هنا: كأنهم لم يلبثوا إلا ساعة من النهار.
وقد دل على الاسم المحذوف ما تقدم من ضمائرهم.
والمعنى تشبيه المحشورين بعد أزمان مضت عليهم في القبور بأنفسهم لو لم يلبثوا في القبور إلا ساعةً من النهار.
و: {من النهار} (من) فيه تبعيضية صفة ل: {ساعة} وهو وصف غير مراد منه التقييد إذ لا فرق في الزمن القليل بين كونه من النهار أو من الليل وإنما هذا وصف خرج مخرج الغالب لأن النهار هو الزمن الذي تستحضره الأذهان في المتعارف، مثل ذكر لفظ الرجل في الإخبار عن أحوال الإنسان كقوله تعالى: {وعلى الأعراف رجال} [الأعراف: 46].
ومن هذا ما وقع في الحديث: «وإنما أحِلَّت لي ساعة من نهار»، والمقصود ساعة من الزمان وهي الساعة التي يقع فيها قتال أهل مكة من غير التفات إلى تقييد بكونه في النهار وإن كان صادف أنه في النهار.
والساعة: المقدار من الزمان، والأكثر أن تطلق على الزمن القصير إلا بقرينة، وتقدم عند قوله تعالى: {لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون} في سورة [الأعراف: 34].
ووجه الشبه بين حال زمن لبثهم في القبور وبين لبثثِ ساعة من النهار وجوهٌ: هي التحقق والحصول، بحيث لم يمنعهم طول الزمن من الحشر، وأنهم حشروا بصفاتهم التي عاشوا عليها في الدنيا فكأنهم لم يفنوا.
وهذا اعتبار بعظيم قدرة الله على إرجاعهم.
والمقصود من التشبيه التعريض بإبطال دعوى المشركين إحالتهم البعث بشبهة أن طول اللبث وتغير الأجساد ينافي إحياءها: {يقولون أئنا لمردودون في الحافرة أإذا كنا عظامًا نخرة} [النازعات: 10، 11].
وجملة: {يتعارفون بينهم} حال من الضمير المنصوب في: {نحشرهم}.
والتعارف: تفاعل من عَرف، أي يعرف كل واحد منهم يومئذٍ من كان يعرفه في الدنيا ويعرفه الآخَر كذلك.
والمقصود من ذكر هذه الحال كالمقصود من ذكر حالة: {كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار} لتصوير أنهم حشروا على الحالة التي كانوا عليها في الدنيا في أجسامهم وإدراكهم زيادة في بيان إبطال إحالتهم البعث بشبهة أنه ينافي تمزق الأجسام في القبور وانطفاء العقول بالموت.
فظهر خسرانهم يومئذٍ بأنهم نفوا البعث فلم يستعدوا ليومه بقبول ما دعاهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يلبثوا إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النهار} الآية.
بين تعالى في هذه الآية الكريمة، أن الكفار إذا حشروا استقلوا مدة مكثهم في دار الدنيا، حتى كأنها قدر ساعة عندهم، وبين هذا المعنى في مواضع أخر، كقوله في آخر الأحقاف.
{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يلبثوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ} [الأحقاف: 35] الآية، وقوله في آخر النازعات: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يلبثوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات: 46]، وقوله في آخر الرُّوم: {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُقْسِمُ المجرمون مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم: 55] الآية.
وقد بينا بإيضاح في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب)، وجه الجمع بين هذه الآيات المقتضية أن الدنيا عندهم كساعة، وبين الآيات المقتضية أنها عندهم كأكثر من ذلك، كقوله تعالى: {يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْرًا} [طه: 103] وقوله: {قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ العآدين} [المؤمنون: 113] فانظره فيه في سورة: {قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون} [المؤمنون: 1] في الكلام على قوله: {قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ العآدين}.
قوله تعالى: {يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ}.
صرح في هذه الآية الكريمة: أن أهل المحشر يعرف بعضهم بعضًا فيعرف الآباء الأبناء، كالعكس، ولكنه بين في مواضع أخر أن هذه المعارفة لا أثر لها، فلا يسأل بعضهم بعضًا شيئًا، كقوله: {وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا يُبَصَّرُونَهُمْ} [المعارج: 10-11]، وقوله: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101].
وقد بينا في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) أيضًا: وجه الجمع بين قوله: {فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ}، وبين قوله: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 27]، في سورة: {قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون}: أيضًا.
قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الذين كَذَّبُواْ بِلِقَاءِ الله وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ}.
صرح تعالى في هذه الآية الكريمة: بخسران المكذبين بلقائه، وأنهم لم يكونوا مهتدين، ولم يبين هنا المفعول به لقوله خسر، وذكر في مواضع كثيرة أسابابًا من أسباب الخسران، وبين في مواضع أخر المفعول المحذوف هنا، فمن الآيات المماثلة لهذه الآية، قوله تعالى في الأنعام: {قَدْ خَسِرَ الذين كَذَّبُواْ بِلِقَاءِ الله حتى إِذَا جَاءَتْهُمُ الساعة بَغْتَةً قَالُواْ ياحسرتنا على مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} [الأنعام: 31] الآية، وقوله تعالى في البقرة: {الذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرض أولئك هُمُ الخاسرون} [البقرة: 27]، وقوله في البقرة أيضًا: {الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أولئك يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فأولئك هُمُ الخاسرون} [البقرة: 121]، وقوله في الأعراف: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ الله فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلاَّ القوم الخاسرون} [الأعراف: 99]، وقوله في الأعراف أيضًا: {مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتدي وَمَن يُضْلِلْ فأولئك هُمُ الخاسرون} [الأعراف: 178]، وقوله في الزمر: {لَّهُ مَقَالِيدُ السماوات والأرض والذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ الله أولئك هُمُ الخاسرون} [الزمر: 63]. والآيات في مثل هذا كثيرة، وقد أقسم تعالى على أن هذا الخسران لا ينجو منه إنسان إلا بأربعة أمور:
الأول: الإيمان.
الثاني: العمل الصالح.
الثالث: التواصي بالحق.
الرابع: التواصي بالصبر.
وذلك في قوله: {والعصر إِنَّ الإنسان} [العصر: 1-2] إلى آخر السورة الكريمة. وبين في مواضع أخر، أن المفعول المحذوف الواقع عليه الخسران هو أنفسهم، كقوله في الأعراف: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأولئك الذين خسروا أَنْفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ} [الأعراف: 9]، وقوله في المؤمنون: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأولئك الذين خسروا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: 103] وقوله في هود: {أولئك الذين خسروا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} [هود: 21].
وزاد في مواضع أخر خسران الأهل مع النفس، كقوله في الزمر: {قُلْ إِنَّ الخاسرين الذين خسروا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القيامة أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الخسران المبين} [الزمر: 15]، وقوله في الشورى: {وَقَالَ الذين آمنوا إِنَّ الخاسرين الذين خسروا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القيامة أَلاَ إِنَّ الظالمين فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ} [الشورى: 45].
وبين في موضع آخر أن خسران الخاسرين قد يشمل الدنيا والآخرة، وهو قوله: {وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطمأن بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقلب على وَجْهِهِ خَسِرَ الدنيا والآخرة ذلك هُوَ الخسران المبين} [الحج: 11]. اهـ.